
من المعالم الاثرية والتي تتباهى بها ولاية ادرار هي القصور القديمة والقصبات وفضاءات واحاتية تبهر الناظر والزائر والسائح لها وان كانت تبدوا له ركام من طين الا انها عكس ذلك جمال لا تمل العين من رؤيته
يختلف مفهوم القصر اختلافا كليا من منطقة إلى أخرى، فهو قرية محصنة أو بالأحرى مجموعة سكنية متراصة ومتلاحمة فيما بينها يقطنها مجموعة أفراد أو مجموعة عائلات موسعة، كثيرا ما تنتمي إلى أصول عرقية واحدة وطبقات اجتماعية مشتركة، وقد تكون مختلفة، يحيط بهذه التكتلات سور مدعم بأبراج ركنية (في الزوايا)، وتتخلله مداخل، وقد تخلوا بعض القصور من ذلك ليعوض عنه بجدران البيوت الخارجية، لتشكل في النهاية ما يشبه السور يحيط بكل إرجاءها.
تنسب القصور عادة إلى ولي صالح باعتباره مؤسس أو صاحب الفضل في لم الشمل مثل "سيدي عيسى وسيدي سليمان بن علي "بقصر أولاد أوشن بأدرار، كما تنسب إلى القبيلة أو الجنس المستقر به مثل قصر أولاد يعقوب، أولادأحمد، أولاد داود بتمنطيط، أولاد إبراهيم، أولاد عيسى، أولاد سعيد، أولاد بوحفص، أولاد ونقال، أولاد أوشن, وقد تنسب إلى الطبقة الاجتماعية مثل قصر العرب"زاجلو عرب"، وقصرالمرابطين"تيلولين المرابطين" وقصر لعبيد, وأحيانا يرفق بكلمة القصر صفة من الصفات الدالة على موقعه أو قدمه أو حداثته أو كبره مثل القصر التحتاني"بويحا التحتانية" والقصر الفوقاني"أنزجمير الفوقاني" والقصرالقديم والقصر الجديد والقصر الكبير وأحيانا يشتق اسمه من شكله وينسب الى أشخاص وأشياء أخرى مثل قصر "حويطة العسايفية"، وقصر "الخنق" وقد تحتوي القصور بداخلها غلى قصبة أو قصبتين محصنتين ومسجد جامع عادة ما يطلق عليه بالجامع العتيق", كما يشكل القصر المرافق الضرورية مثل السوق والدكاكين والرحاب.

يتألف القصرعادة من وحدات سكنية، أحياء، حارات، محلات، وقد يكون مؤلفا من مجموعة من القصور هي الأخرى تأخذ أسماء مختلفة هذه الأسماء هي "لقصر– لقصبة– لقصيبة" كما أن هذه القصور الثلاث قد تسكنها كل طبقة اجتماعية من الطبقات الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع التواتي "شرفاء مرابطين" إضافة إلى الحراطين والعبيد الذين يسكنون بجانب أسيادهم وذلك لتقديم خدماتهم لهم .كما أن لهذه القصور لها بساتين مشتركة وقد تكون الأحياء منفصلة عن بعضها البعض بواسطة سور له باب يفتح أوقات السلم ويغلق في أوقات الحرب فيما بين الأحياء كقصر "أنزجمير" والقصبة "تيطاوين الشرفاء" إن ذلك تقليد شائع وهو "أن تحتل كل قبيلة الحي الخاص بها، لذا فكل حي له مصلى خاص به ولكل قصر مسجد خاص به إضافة إلى السوق المركزي، أما المسالك والتشعبات فهي نفسها ما نلاحظه في المدن الشرقية التقليدية ".
ولعل التعريف الأدق هو تعريف الأستاذ جاسم الدباغ إذ يعرف القصر "بأنه الفضاء المشترك المغلق والمقسم الى مساحات موزعة توزيعا نوعيا تخزن فيه مجموعات بشرية ذات المصلحة الواحدة محصولها الزراعي الموسمي وتستعمله في وقت السلم لممارسة نشاطاتها التربوية والطقوسية الاجتماعية والتجارية في وقت الحرب للاحتماء به عند هجوم العدو".
إلا أنه ما يمكنني ملاحظته من تعريف الأستاذ نوعا من النقص، لأنه لم يتطرق للوظائف الأخرى التي يؤديها القصر ولازال يؤديها رغم التحول الذي يعرفه المجتمع التواتي القصوري، فالأستاذ تطرق في تعريفه لدور القصر أثناء الحرب والمتمثل في حماية السكان من هجوم الأعداء وهذا لكونه قلعة محصنة بأبراج ومحاطة بخندق لا يمكن للعدو اجتيازه وهذا نظرا لعمقه واتساعه، هذا بالإضافة إلى اعتبار أن القصر مجرد مخزن يخزن فيه السكان محاصيلهم فهنا تبرز الوظيفة الاقتصادية للقصر، في حين أهمل الوظائف السوسيولوجية والسياسية للقصر وهذا لكون القصر يعتبر فضاء عاما تمارس فيه كل الوظائف الاجتماعية التي يقوم بها المحتمع.
لأنه من خلال تتبعي لمراحل نشأة القصور وتكوينها وجدتها تختلف من عصر لآخر ومن منطقة لأخرى ، خصوصا لما يتعلق الأمر بمنطقة توات، فالقصور تختلف في العراق عن الجزيرة وفي مصر من حيث الشكل، أما في توات فهي تختلف عنهم سواء من حيث الشكل والوظيفة والأداء أيضا. فإذا كانت القصور في مصر والعراق والشام أخذت أشكالا متنوعة وهي منحصرة في الأسرة المالكة وحاشيتها لأن القصور في هذه المناطق وفي هذه الفترات كانت تعطي مكانة اجتماعية لساكنيها، في حين نجد في توات خلافا لذلك.
فالقصر في توات لعب أدوارا مختلفة منها ما هو اجتماعي، سياسي، اقتصادي، تعليمي، ديني...، كما أن تعريف القصر يختلف من باحث لآخر وهذا حسب البيئة التي نشأ فيها هذا الباحث وعاش بها أيضا.
وعلى هذا الأساس يمكنني تقديم تعريفا للقصر: "القصر قبل أن يكون مجموعة سكنية هو إقليم جغرافي تسكنه مجموعة من الأفراد يجمعهم نظام اجتماعي وسياسي خاص بهم ومصلحة واحدة، إضافة إلى رابطة القرابة الدموية التي تربطهم، كما أن لهذا القصر حدود معترف بها من قبل القصور المجاورة له وموارد اقتصادية لاستمرارية وجوده, كالفقارات والبساتين".
+-+Copie.jpg)
وقد حاول الباحث "ايشالي" إيجاد تصنيف لها من حيث الشكل وقد اعتمد على العديد من المصادر لمن سبقوه من الباحثين، إضافة إلى دراسته الموقعية والتي اشتملت على دراسة333 قصرا، وبصفتي قصوري وساكن بالقصر معتزا بها، قد قادتني الصدفة والغوص في تاريخ ونشأة القصور خصوصا لما يتعلق الأمر بالقصور التواتية، وبالأخص لما دخلت قصر تمنطيط وجلت فيه رفقة زملائي من هذا القصر وبعض المسؤلين المحليين، إضافة إلى الزيارة التي قادتني إلى بعض القصور التواتية الأخرى رغم بعد المسافة فيما بينها لكن طبيعة البحث والموضوع زادتني نشوة في البحث فقربت المسافة، فكانت زيارتي لبعض هذه القصور هي الأ ولى في حياتي وأرجو أن لا تكون الأخيرة أيضا ومن هذه القصور نذكر، قصر بودة، لمطارفة، أولاد عيسى، تسفاوت، أقبلي، عين بلبال، اينغر، تاخفيف، تازولت، بوعلي، زاوية كنتة، تبلكوزة، قصر قدور، ماطريون ، عمنات... فاهتديت إلى تصنيف القصور حسب التصنيفات التالية:
-1- النمط الأول: يتميز ببناء السور الخارجي بأطراف الهضبة الصخرية غير مهذبة وعادة ما يكون القصر في حالة يرثى لها من الدمار، أخذ التسمية نتيجة لشكله الدائري ويقسمه "ايشالي" إلى قسمين:
الأول: يتألف من مجموعة أبنية ضخمة عادة ما تبنى فوق مرتفع طبيعي يحيط به سور من الحجارة الممزوجة بالطين، وغالبا ما يكون شكله دائريا، وما يلاحظ على هذا الصنف، إن السور يلامس حواف المرتفع الصخري المرتفع المشيد فوقه، إن هذا النمط يعتبر مكانا لتخزين المنتجات الزراعية وملجأ للفلاحين.
الثاني: فهو يشبه الأول غير أنه أكبر منه حجما وأفضل تقنية من الأول.
-2- النمط الثاني: يتميز بكونه أكثر تطورا من النمط الأول وينقسم إلى:
أ-القصور المبنية فوق مرتفع طبيعي مع ملاحظة سور محكم البناء يحيط به، ونادرا ما يحتوي السور على برج للمراقبة يتقدم المدخل الرئيسي للقصر، يتخذ السور شكلا دائريا، وذو أضلاع منحنية ومتعددة الرؤوس.
ب- يشبه الأول وموقعه الجبال والمناطق العالية التي يتم تهيئتها، لكن من الصعب تمييز الصنفين من الخارج لكونهما يختلفان في توزيعهما الداخلي.
من خلال جولتنا لبعض القصور وخصوصا قصر تمنطيط شاهدنا هذا النوع من القصور، لكن على أشكال أطلال، مما يصعب علينا تصنيفها إلى قسمين، ولعدم وجود مُخبر باقي على قيد الحياة كان قد عايشها لقدمها، وهي مبنية بالحجارة والملح، وقد أجملنا النمطين في نمط واحد أطلقنا عليه النمط الدائري، هذا النمط من القصور يعتبر الأقدم من نوعه وقد يكون اليهود هم المؤسسون الأوائل له، وكانت عبارة عن قلاع وحصون، وان أشتمل هذا النوع من القصور على معالم دفاعية كاختيار الموقع والمرتفع والأبراج.
-3- النمط الثالث: يتشابه مع الأنماط السابقة في مواد بنائه وموقعه، إلا أنه يتميز عنهما في تخطيطه العام، فهو مستطيل الشكل أو مربع، محاط بسور وخندق أحيانا يخلوا هذا النمط تماما من الأبراج الركنية عدى برج أواثنان للمراقبة ويتم الوصول للقصر عبر الجسر"القنطرة"، لأن الخندق يحيط به من كل الجهات، عمارته متقنة وذو زوايا حادة قائمة، ولاشك أن هذا النمط ظهر بعد الفتح الإسلامي العربي لبلاد المغرب، وهجرات القبائل الهلالية للمنطقة في القرن السابع الميلادي (الأول هجري)، رغم أن "ايشالي" يثبت غير ذلك وقد لا نتفق معه في هذه الكرونولوجيا (التاريخ).
-3- النمط الثالث: يتشابه مع الأنماط السابقة في مواد بنائه وموقعه، إلا أنه يتميز عنهما في تخطيطه العام، فهو مستطيل الشكل أو مربع، محاط بسور وخندق أحيانا يخلوا هذا النمط تماما من الأبراج الركنية عدى برج أواثنان للمراقبة ويتم الوصول للقصر عبر الجسر"القنطرة"، لأن الخندق يحيط به من كل الجهات، عمارته متقنة وذو زوايا حادة قائمة، ولاشك أن هذا النمط ظهر بعد الفتح الإسلامي العربي لبلاد المغرب، وهجرات القبائل الهلالية للمنطقة في القرن السابع الميلادي (الأول هجري)، رغم أن "ايشالي" يثبت غير ذلك وقد لا نتفق معه في هذه الكرونولوجيا (التاريخ).
-4- النمط الرابع: إن هذا النمط هو عبارة عن مباني شيدت من حجارة ضخمة من الملح المخلوط بالطين وهي ميزته الأساسية، أما مخططه فهو غير دقيق لعدم وجود السور المحيط به لكن هذه القصور غير موجودة في إقليم توات، وربما "ايشالي" شاهد هذا النمط في منطقة جبلية تخص ذلك التجمع السكاني بدل من السور مثل منطقة الهقار، يضيف الباحث أن هذا النوع من القصور ظهر فيما بين القرنين (7-9ه/13-15م).
-5- النمط الخامس: تنعدم القاعدة الصخرية التي تميز الأنماط السابقة وتقنية البناء غير متقنة وينقسم بدوره إلى قسمين:
01-يتألف من منشآت حجرية يحيط بها سور مربع أو مستطيل الشكل خال من الأبراج.
02-يشبه السابق ويختلف عنه في احتوائه على أبراج ركنية مربعة أو هرمية الشكل.
لكن هذا النمط الذي يقسمه "ايشالي" إلى قسمين يعتبر نمطا واحدا، فالقصر الذي ليست له أبراج عادة ما يكون بجوار قصر آخر بني لضيق القصر الأول والأبراج ليست منعدمة فيه لأن أبراج القصر الأول هي المستعملة في المراقبة للقصر الأول والثاني الذي عادة ما يكونا متداخلين مثل ما هو الحال في بعض قصور تمنطيط، ولقد ظهر هذا النوع من القصور حسب "ايشالي" في نهاية القرن 06ه/ 1210م .
أغلب الظن أن هذا النوع ظهر مع اكتشاف الفقارة لأن هذا النوع من القصور يفتقد للقاعدة الصخرية (المرتفع)، الهضبة أو الجبل، الذي كان أساس كل بناء في الصحراء ليس لمهمة دفاعية، بل فرضتها ضرورة ايكولوجية، وهي ظاهرة فيضان الوديان وصعود المياه في تلك المنطقة آنذاك، لكن مع نقص المياه وتراجع هذه الظاهرة وطول فترة الجفاف بالمنطقة أديا الى اكتشاف الآبار والآبار المتصلة ببعضها البعض مشكلة ما يعرف بالفقارة واستعمالها كتقنية لسقي الأراضي المحروثة، واستعمال الماء لوظائف متعددة في القصر، يتطلب أن يكون القصر في موقع متساوي مع الأرض إن لم نقل منخفضة هذا قصد إمكانية جر الماء إليه عن طريق ساقية ومنه إلى البساتين "جنانات"، لذا جاء هذا النوع من القصور بدون مرتفع صخري.
-6- النمط السادس: مبني بالطوب أو الطين غير محمي بالنار، ذو شكل مستطيل، وقد يضم أزقة ودكانات أو عتبات كبيرة للاستراحة، وينقسم بدوره إلى قسمين هما:
1-مبني بالطين ويحيط به سور وخندق مربع خالي من الأبراج وممشى السور.
2-يتميز بأبراج ركنية وممشى السور.
وهذان يعتبران نمط واحد، وقد يتلاحم ويتداخل قصران أو أكثر، ينتميان إلى أنماط مختلفة مكونة قصرا واحدا، وكرونولوجيا ظهور هذا النمط في القرن التاسع هجري /15م.
إن تنظيم القصر وشكله الداخلي أمر قد يفرضه الموقع الجغرافي أكثر مما تفرضه عوامل أخرى، والملاحظ أن الموقع يتم اختياره للقصر لعوامل دفاعية أما شكل القصر فيعتقد "ايشالي" أن الشكل الدائري هو الطراز المحلي في حين يرجع أصل الشكل المستطيل إلى المشرق حيث تبنى أضلاعه وفقا لمعطيات فلكية مدروسة وهي ظاهرة غير معروفة في الصحراء، وأيضا لتعقد تقنية الشكل المستطيل، حيث أن الزوايا تستلزم تقنية ومواد كثيرة مقارنة مع الشكل الدائري، والشكل الدائري إضافة إلى كونه اقتصادي لضرورة دفاعية حربية، فالشكل الدائري يسهل الدفاع أكثر مما لو كان الشكل مربعا أو مستطيلا.
وعليه من خلال ما سبق نستشف أن عمارة الطين في العالم العربي منذ قديم الزمان جرب فيها الإنسان العربي مختلف الأشكال حتى استقر فيها على الأفضل في حمايته من لهيب الصيف وبرودة الشتاء وحماية محارمه من الغير, بتوزيع الفراغات السكنية بطريقة معينة، ليستقر الشكل المعماري لعمارة الطين ليلبي حاجات المجتمع، حتى وقت قريب وجرب فيها الإنسان العربي مختلف الأشكال حتى استقر على الأفضل في حمايته من حرارة الصيف وقرص الشتاء، إن ظروف المناخ والإقليم هي التي فرضت متطلباتها وتجاوب البناءون في ملائمة أبنيتهم لهذه الظروف كما ساهمت ظروف الحرب والسلم، ودوام الاستيطان من عدمه في تحديد شكل البناء وارتفاعه والمواد التي استخدمت في بنائه البيئة العمرانية التقليدية ليست من تصميم مهندس معماري وربما لم يخططها مخطط، إنها نتاج لعمل تصميم خلال قرون من التجارب المستمرة خلال قرون الأجيال المتعاقبة التي سكنتها، وبتطوير أسس التعامل مع جميع العوامل سواء كانت مناخية أو اجتماعية أو مادية، وكانت البيئة التقليدية نتيجة هذا التفاعل وهي بيئة تثبت بالتجربة إنها ملائمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
بلادي زينها زين الحور ويناك يازايرها