قد كان نظام السقي بالفقارة في الأقاليم الصحراوبة جنوب الجزائر - ولا يزال - أحد أهم وأغرب أنظمة الري التقليدية في العالم ،والتي وقف عندها المؤرخون والرحالة العرب والأعاجم بكثير من الدهشة والإعجاب ، كما الأمر مع ابن خلدون في القرن التاسع الهجري الذي له في وصفها أمر عجيب نراه معه يتعرض إلى أدق تفاصيل إنشاء الفقارة وجريان مائها حيث يقول " .وفي هذه البلاد الصحراوية إلى وراء العرق غريبة في استنباط المياه الجارية لاتوجد في تلول المغرب وذلك أن البئر تحفر عميقة بعيدة الهوى.وتطوى جوانبها إلى أن يوصل بالحفر إلى حجارة صلدةفتحت بالمعاول والفؤوس إلى أن يرق جرمها ثم تصعد الفعلة ويقذفون عليها زبرة من الحديد تكسر طبقها عن الماءفينبعث صاعداً فيفعم البئر ثم يجري على وجه الأرض وادياً.ويزعمون أن الماء ربما أعجل بسرعته عن كلشيء.وهذه الغريبة موجودة في قصور توات وتيكورارين وواركلا وريغ.والعالم أبو العجائب. والله الخلاق العليم ".وبنظام الفقارة استطاع الإنسان التواتي أن يلبي كافة احتياجاته الفلاحية بل وتمتد يده تصديرا إلى بلاد السودان كما يذكر ابن خلدون دائما " ........وفواكه بلاد السودان كلها من قصور صحراء المغرب مثل توات وتكدرارينووركلان. " فأين نحن اليوم من كل هذا وما هو وضع الفقارة بهذا الإقليم .
تتميز ولاية أدرار . جنوب الجزائر دون سواها من بقية مناطق الجزائر خصوصا بنظام الفقارة ، الذي هو عبارة عن سلسلة من الآبار المائية المتصلة بعضها ببعض في طريقة تصاعدية عجيبة وطريقة توزيعية للمياه أعجب ، وهو نظام قديم جدا تعددت الروايات في أصله ومصدره واتفقت على شيوعه وانتشاره في أكثر من عشرين منطقة من ربوع العالم . غير أن ما يميز المنطقة التواتية في نظامها المائي هذا هو توارثه عبر الأجيال منذ عدة قرون وإلى الآن مع المحافظة على كثير من مقوماته وأسس بنائه ، بالإضافة إلى أنه ساهم وبشكل كبير في توازنات السكان وانتشاره داخل الإقليم ومن ثم الاستقرار واستمرار العيش إلى الآن وسط ظروف طبيعية جد قاسية، كما كان لهذا النظام أيضا الأثر البارز في غرس روح العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع تبعا لقدرة كل فرد ، ومدى حضوره و نجاعته في أعمال الحفر والصيانة السنوية التي يعرفها النظام ، إضافة إلى ما يصحب كل ذالك من قيم ومثل تضامنية عليا هذا دون أن ننسى أثر كل ذالك على كافة التحولات الاجتماعية والمجالية التي عرفها ويعرفها الإقليم.
وبداية الموضوع تقتضي منا الوقوف عند المصطلح (فقارة) في حدّيه اللغوي والاصطلاحي وإن كان الحديث في هذا أولا يقتضي الوصول إلى أصل اشتقاق اللفظ فان أهم ما ورد في هذا المعنى نوجزه في ما يلي :
أولا : لم يرد في القاموس مصطلح فقّارة بتشديد القاف كجمع أو مصدر للفعل فَقَرَ ولذالك فإننا نستبعد أن يكون المصطلح من معنى الفقر الذي هو ضد الغنى (وهذا بفعل كثرة الأعمال ومشقتها التي قد تؤدي إلى الفقر ) مع ملاحظة هنا أنه ورد في لسان العرب لفظ فَقَارة من غير تشديد بمعنى الفقر ولكنه لم يرد مشددا . ومعلوم أن العرب في تخفيفها وتسهيلها للنطق تميل إلى تخفيف المشدد لا إلى تشديد المخفف (كان أن يكون أصل اللفظ فقّارة ثم يخفف نطقه فيصبح فقَارة .مثل (النْهار ، الدْراهم ، ....). وهذا الرأي يضعنا أمام الرأي القائل باشتقاقها من فقارة الظهر ، لأن اللفظ ورد في القاموس على جمع فُقَر وفقَار وقيل فقرات بكسر الفاء أولا وفتح القاء وتسكينها وكسرها معا .غير أنه وإن كانت العرب تعرف فقار الظهر منذ العهود القديمة وسمت أجود بيت عندها بفقرة تشبيها له بفقرة الظهر وذهبت إلى أبعد من ذالك حين تفننت في أسماء وتعداد هذه الفقرات .فإن الفارق بين فقارة بالتسهيل وفقّارة بالتشديد يبقى نفسه المذكور في التفسير السابق .
لقد جاء في مخطوط نقل الرواة عن من أبدع قصور توات لصاحبه الشيخ سيدي محمد عمر بن محمد البداوي. الذي عرفها بأنها آبار متعددة يفقر من جنب كل واحد إلى الآخر فيبرز ماؤُه .ويبقى أن نقول أن أصل مادة فقّارة الذي هو الفاء والقاف والراء جاء عند العرب بنفس المعنى الذي يحمله لفظ الفقّارة حيث يقول ابن منظور في لسانه " فقرت البئر إذا حفرتها لاستخراج مائها . والفقير : الآبار المجتمعة الثلاث فما زادت " ويواصل القول : " وقيل هي آبار تحفر وينفذ بعضها إلى بعض وجمعه فُقُرٌ" ونلاحظ هنا دقة الشبه بين المعنيين بل تلاقيهما إلى أبعد الحدود وهو ما يعطي لهذه الرواية وجها متقدما من الصواب .
ثانيا: إن هناك من ذهب إلى القول بأن أصل القاف هو الجيم ومنه أن الفقّارة أصلها الفُجّارة وعلة هؤلاء أن الماء تفجر من الآبار وسال .غير أن هذا الرأي يبدو بعيد ا بعض الشيء لعدة أسباب وهي :
ا) : إن مصدر فجّر هو تفجير ولم يرد في القاموس أي وجه في تفسير فجّارة .حيث ورد " الفَجْر من تفجير الماء ، والمفجر : الموضع ينفجر منه ، وتفجر انبعث سائلا ، والمَفجرة ، والفُجْرة مُنفجر الماء من الحوض وغيره ، وفَجْرة الوادي متسعه الذي ينفجر إليه الماء " أما لفظ فجارات فورد جمعا للفظ فُجّار وفجارات العرب بكسر الفاء مفاخراتها ..
ب) : أن اللهجة المحلية التواتية وربما حتى اللهجة الجزائرية لم تحفظ لنا لفظا وردت فيه القاف (بثلاث نقاط ) منقلبة عن جيم بعكس بعض اللهجات العربية الأخرى كاللهجة المصرية وغيرها بل وردت القاف منقلبة عن قاف في كثير من المواضع ( قال بدلا من قال ، ووقف بدلا من اوقف وقرب بدلا من قرب ، وغير ذالك ).
وما قيل عن أصل المصطلح (فقارة ) في تضارب الآراء حول مفهومه يقال أيضا عن أصل اختطاط الفقارة ذالك أن الآراء هنا متابينة أيضا وتذهب به بعيدا في الزمان والمكان والموطن الأصلي والإجماع الوحيد هنا هو أن النظام دخيل على المنطقة و سبقت إليه حضارات وشعوب مختلفة عجمية وعربية . وإذا كان الاختلاف حول أصل الفقارة ومبدعيها في منطقة توات لا يزال قائما إلى حد الساعة فإن الإتفاق يكاد يكون إجماعا أيضا حول نظام السقي وطريقة ابتداعه بعد الفقارة بسنوات إن لم تكن قرونا والشاهد ما نراه من وجه اختلاف بين فقارة هنُّو في تمنطيط وبين بقية فقاقير المنطقة شمالا وجنوبا على الإطلاق . وهذا على اعتبار الرأي القائل بأسبقية هذه الفقارة على بقية الفقاقير الأخرى بالمنطقة .
وما يهمنا في الموضوع تركيزا هو مرحلة ما بعد مجيء الفقارة وابتداع نظام السقي فيها وأثر كل ذالك على مختلف التحولات الاجتماعية والمجالية لسكان الإقليم. ذالك أنه وبمجيء الفقارة للمجتمع التواتي تفاعل معها إيجابا على شتى الأصعدة وكانت في ذالك حياته الاجتماعية مرآة صادقة لهذا التغيرات والتي نحاول أن نوجزها في المعطيات الآتية :
01/ الفقارة عامل استقرار لسكان المنطقة : حيث نجد أنه وبالنظر إلى الظروف الطبيعية القاسية التي تعرفها الصحراء عامة لم يكن باستطاعة ومقدور الإنسان العيش لولا وجود الماء بوفرة مغرية ذالك أن بعض الدراسات تشير هنا إلى أن المنطقة كانت عائمة بالمياه والبحيرات مما مكن الإنسان الأول من الانتشار حول هذه الأحواض لكن هذه الدراسات نفسها تشير إلى أن هذه الحقبة لم تدم طويلا وبدأت هذه البحيرات في النفاذ ومعها بقي الإنسان يتابع رحلة المياه في هذه المنطقة حيث يقيم على ضفاف تلك البحيرات المتنقلة في مرحلة شديدة وصفت بمرحلة الجفاف الكبرى . وبعد مرحلة البحث عن المياه السطحية على ضفاف الأنهار والبحيرات وما أعقبها من غور للمياه وصعوبة في الحصول عليه جاءت مرحلة البحث عن المياه في أعماق التراب .وبغض النظر هنا عن أصل فكرة ما سيعرف لاحقا بالفقارة فإن هذا الإنسان قد اهتدى إلى فكرة الفقارة تقليدا لبعض المناطق المشابهة عن طريق التجار والقوافل الذاهبة والآيبة إلى المنطقة أوحاجة وضرورة فرضتها ظروف الحياة الصعبة والحاجة أم الاختراع كما يقال.
وما يهمنا هنا أيضا هو أنه وبفعل ظهور نظام الفقارة عاد الإنسان من جديد ليجدد حضوره واستقراره في المنطقة شيئا فشيئا بعد مرحلة الهجرة واللاستقرار السابقة. والجدير بالذكر هنا أن الإنسان الصحراوي يكون قد فكر في امتلاك حصته من الماء قبل امتلاكه للأرض بل إن الإنسان وبمجرد انضمامه إلى مجموعة سكانية ما يشرع في شراء وامتلاك حصته من مياه الفقارات قصد ممارسة نشاطه الزراعي الضروري للحياة وهذا رغم أن حصته الخاصة بالشرب والعادات المنزلية هي مضمونة مجانا بحسب أعراف المجتمع . وبهذا كله أصبح ماء الفقارة عنصر ضمان على الإقامة والاستقرار حتى ولوكان مؤقتا ونلاحظ مثال هذا خصوصا مع العلماء الوافدين إلى المنطقة نذكر من ذالك تمثيلا الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي في القرن 10هـ الذي نزل بأرض بوعلي واشترى فيها مياها كرمز لبقائه بخلاف بقية المناطق المحلية الأخرى التي جال فيها . ونلاحظ المثال ذاته مع الشيخ الرقاني في القرن 12هـ الذي نزل بأرض بوعلي أولا بجوار الشيخ المغيلي وكانت له كمية كبيرة من مياه الفقارة كدليل على اختياره لهذه الأرض كموطن إقامة رغم أنه هجرها لأسباب معلومة ،والأمثلة تطول في هذا المجال .
والمتتبع هنا لحركية القصور وتداخلها داخل الخط المعروف بالمنطقة سيلاحظ أثر الفقارة على استقرار أو هجرة السكان من القصور .وعلى النقيض من هذا أيضا فإن بموت الكثير من الفقاقير وعدم تجديدها لأسباب قد يطول الحديث عنها فقد حدثت الرحلة العكسية من القصور باتجاه التجمعات السكانية الكبرى وهو ما خلق جوا من الضغط والفوضى وسط ترتيبات عمرانية عشوائية وفوق قدرة كل برامج التخطيط المحلية أوالوطنية وهذا ما تعكسه نسب السكان من منطقة إلى أخرى .
02/ نظام الفقارة ومبدأ التعاون الجماعي : ويظهر هذا جليا منذ خروج الإنسان الأول للمشاركة في عملية الحفر التي وإن اقتصرت على فئة محددة من الناس إلا أننا نلمس اتحادا وتعاونا واضحا داخل هذه المجموعة ويتجلى ذالك في تقسيم أفراد المجموعة إلى مجموعات صغيرة (تكون غالبا من أربعة أشخاص فما فوق) اثنان منها في أسفل البئر واثنان في أعلاه ويكون بينهم التنسيق على أن خروج الجماعة ودخولها من وإلى العمل يكون دوما جماعيا وفي أوقات محددة . هذا في عملية البدء أما في عملية الصيانة وإبعاد الفقارة عن الأخطار المحدقة بها من رمال وسقوط للجدران وغير ذالك فإن الإعلان بداية يكون علنيا وعاما وفوق سطوح المساجد ليصل النداء للجميع وأثناء الصيانة المعروفة محليا بتويزة نلحظ روحا تضامنية قوية بين الأفراد وسط أصوات الدف والمزمار بهدف التنشيط .مع ملاحظة أن هذه العملية إن تمت يشارك فيها الجميع غالبا حتى من غير المالكين للفقارة لأنه " لا فرق هنا بين من يملك نصيبا في الفقارة ومن لايملك ، ولا فرق بين الصغير والكبير ، والمرأة والرجل إذ أن العمل التطوعي (التويزة ) إلزامي على كل القاطنين حينما يتعــلق الأمر بخــطر يهدد الفقارة " والجدير هنا أيضا أن عملية المشاركة والتعاون الجماعي يشارك فيها الجميع بدأ بعملية جمع العتاد مرورا بتحضير الطعام والشراب أو المشاركة في رقصة التويزة ووصولا إلى النشاط الرئيسي في العملية وهو العمل على إنقاذ الفقارة .
03/ نظام الفقارة ومبدأ العدالة والمساواة بين الأفراد : ويتجلى هذا أولا في عملية امتلاك وتوزيع المياه على الأفراد حيث يتم ذالك تبعا لجهد وعرق كل إنسان ومقدرته على العمل مع أفراد المجموعة وثانيا وفق معايير حسابية دقيقة تمكنه من استغلال أقل القليل من ثروته المائية بدأ من أعلى بئر ووصولا إلى بستانه ، بل إن الإنسان المالك في الفقارة يحقق فائدته في أي عمل يلحق العملية حتى دون عمل وهذا ضمن نصيبه في ما يعرف بحق الطريق في عملية (العطية) وهي تسليم عمل الفقارة للمجموعة من الناس وفق شروط أساسية عامة غالبا (جزء للعاملين وجزء للفقارة ). وفي كل الأحوال يظل الفرد داخل مجموعة أفراد الفقارة محافظا على كل حقوقه تبعا لواجباته أولا وقبل كل شيء .
04/ الفقارة ونظام التنشئة الاجتماعية : لقد احتلت الفقارة مكانة مرموقة داخل المجتمع التواتي ووصلت أحيانا إلى حد القداسة .وبهدف المحافظة على هذه المكانة عمد المجتمع إلى تنشئة النشء على حب واحترام الفقارة منذ نعومة الأظافر حيث حرموا عليه العبث بنظام توزيع مياهها ورمي الأوساخ فيها واستعانوا في ذالك بالزواجر الدينية أحيانا وبالعادات والتقاليد أحيانا أخرى فالتصرف زيادة ونقصا في مجرى الماء يجر إلى غضب الله ومنه إلى النار كما أن الخروج إلى الساقية وسط خلوها من الناس ( وهو وقت لعب وعبث الأطفال عادة ) يؤدي إلى كثير من الآفات والأمراض أقلها الصرع و المس من الجن .
ولقد ارتبطت الفقارة أيضا في حياة المجتمع التواتي بمعظم العادات والتقاليد المعروفة فإذا حل إنسان بقصر ما جيء له بماء الفقارة ليعاود المجيء إلى القصر لأنه عندهم من شرب من ماء فقارة عاد إليها ولو بعد حين ،وإذا خرجت العروس من عشها الزوجي توجهت أولا إلى الساقية وتخطت عليها ثلاثا كرمز للثبات والتشبث بالأرض وبعد ذالك تغرف منها ما تشربه في وقتها أملا في الاستقرار والطمأنينة ، وما تسقي به جمع البنات من حولها أملا في زوج المستقبل . والصبي كذالك حين يحفظ القرآن الكريم ويشرع في مراسيم احتفاله المعهودة يتوجه صوب الساقية أيضا ليشرب ويتخطى هو الآخر . وفي حال وفاة شخص ما داخل القصر فإن جميع ملابسه تُخرج إلى الساقية علنا لتغسل وتنشر هناك ، وأخيرا فإنه وفي يوم عاشوراء من كل سنة يتوجه جمع النساء إلى السواقي ليملئن منها الجرة ومن ثم التوجه بها إلى القبور في محاولة لبعث روح الحياة من جديد في جسد الميت كما يقال ويعتقد .
05/ نظام الفقارة والفضاء الخصوصي داخل المجتمع : لقد أدى اهتمام المجتمع بالفقارة إلى نشوء عالم خاص بها يحكمه مجموعة من الأفراد وكم هائل من الرموز والمصطلحات والوسائل الخاصة بالفقارة دون سواها فإذا جئنا إلى عملية الحفر والصيانة وجدنا الفقارة تأخذ من المجتمع أفرادا مخصوصين ومميزين كل باسمه وعمله وهم على التوالي :
الوقّاف : وهو المكلف المباشر عن العمل وجاءت تسميته من وقوفه المستمر على العمال .
القطّاع : الذي يحفر ويقطع الصلب من الحجارة أثناء عملية الحفر .
الجبّاد : الذي يتولى عملية جذب التراب من العامل الأول .
الزمّام :الذي يقوم بكتابة وتدوين زمام الفقارة .
وهي كلها أسماء على صيغ المبالغة دلالة على طبيعة العمل المتلاحق في هذا النظام .
ولعملية توزيع الماء عالمها الخاص تاريخا ومعجما فعملية توزيع مياه الفقارة على الفلاحين تسمى عندهم "الكيلة " والمشرف عليها هو شخص مختص ونادر في القصر وقد يكون واحدا لأكثر من تجمع سكاني ، وينعتونه بالكيال ، وآلة قياس الماء و توزيعه هي "الشقفة" وهي " الحلافة " صيغة مبالغة من الحلف على العدل والمساواة ، وهي في شكلها صفيحة نحاسية مستطيلة أو دائرية ذات ثقوب عديدة و متدرجة من الأصغر إلى الأكبر. أما وحدات القياس فأصلها جميعا يسمى الحبة و بها يكون قياس ماء الفقارة إجمالا حيث يقولون في هذه الفقارة 100 حبة ماء أو 200 حبة ماء وما إلى ذلك . وغير الحبة هناك من الوحدات أيضا
و للفقارة نفسها والساقية والبستان أيضا عالمهما الخاص من المصطلحات والأسماء مما لا يسمح المكان في الخوض فيها . وبهذا كله شكلت الفقارة لنفسها قاموسا وفضاء للتعامل خاصا بها وحدها وسط عديد المتغيرات الاجتماعية.
06/ الفقارة والنصوص التشريعية الخاصة : لقد كان لفضاء الفقارة عالمه التشريعي الخاص المستمد من الشريعة الإسلامية والمتماشي مع ضرورات ومتطلبات نظام الفقارة الخاص وهو ما أوجد عند فقهاء المنطقة ما يعرف بفقه النوازل وخطوا في ذالك عشرات المخطوطات التي تضمنت أمورا وفتاوى خاصة بالفقارة واشتهر من هؤلاء الأعلام تحديدا الشيخ البكري(1133هـ) والشيخ سيدي محمد بن أب (1160هـ) والشيخ سيدي عبد الرحمان بن عومر التنلاني (1189هـ) والشيخ الجنتوري(1160هـ)، والشيخ الزجلاوي (1212هـ) والشيخ سيدي ضيف الله (ق13هـ)، والشيخ سيدي عبد الرحمان البلبالي صاحب الغنية وغيرهم ، ولكل واحد من هؤلاء الأعلام نوازل مخطوطة فيها العديد من المسائل الفقهية المتعلقة بنظام الفقارة وآلية توزيع مياهها بل إن البعض من هؤلاء الأعلام لم يكتف بهذا فقط بل راح يخصص مؤلفا بعينه للنزاع في الأمور المتعلقة بالسقي والزرع وهو الشيخ سيدي محمد بن أب (1160هـ) في مخطوطه تحلية القرطاس في الكلام على مسألة الخماس .
07/ الفقارة في مجتمعنا الحالي : إن المتتبع لحال الفقارة عبر تاريخها الطويل ووصولا إلى وقتنا الحالي يلاحظ تراجعا شديدا في الإهتمام بالفقارة ولعل أكبر شاهد على ذالك هو نسبت موت الفقاقير سنويا والتي وصلت في احصاءتها الأخيرة إلى أزيد من 500 فقارة وهو ما دفع بالسلطات المحلية والوطنية إلى أخذ كافة التدابير للحد من هذا النزيف و قد كان هذا وفق برامج إنمائية هامة خاصة بها دون بقية الأنشطة الفلاحية و رصدت لها الدولة الجزائرية في ذالك ما يقارب 54 مليار سنتيم ابتداء من سنة 2002 وحتى سنة 2005 في برنامجين أساسيين : برنامج الدعم الفلاحي والبرنامج القطاعي . وقد مس هذه البرامج كل تراب الولاية تقريبا في ما يفوق 476 فقارة .
ولم يقف اهتمام الحكومة الجزائرية بهذا الموروث عند هذا الحد بل زاد إلى وضع نصوص قانونية خاصة بهذه المعالم التراثية قصد صيانتها وحفظها نذكر من ذلك تمثيلا القرار رقم 426 الصادر بتاريخ 23/06/1996م والذي ينص في كل بنوده على ضرورة حفظ وحماية الفقارة الحية منها والميتة وجاء القرار في 13 مادة من أهمها :
- في حالة إنشاء فقارة جديدة يكون عمق الفقارة المنجزة يوازي عمق أقرب فقارة .
- لا يتم أي تنقيب على الماء إلا بعد مشورة ومصادقة المصالح التقنية المختصة وممثلي الفقارة.
- لا يجوز إقامة أي بناية سكنية بدون مراعاة المعطيات التقنية وفي كل الحالات لا تقل مسافتها عن 10 أمتار من محور الفقارة .
- لا تمنح رخصة البناء لكل بناية ذات استعمال صناعي أو تجاري يقل عن الفقارة على ما يلي :( عشرون متر ا للبنايات التي من شأنها انبعاث الضجيج ومائة متر للبناءات التي من شأنها إنتاج مواد سامة أو خطيرة تخضع لما جاء به قانون المياه .
- لا يرخص إقامة أي بناء عند المنبع الرئيسي أو الفرعي للفقارة على مسافة تقل عن 35متر من كل الجوانب .
- تمنع إقامة المساحات الخضراء على ظهر الفقارة وحريمها .
- يمنع رمي القاذورات بجانب أو داخل فوهات الفقاقير .
- يلزم القرار تجميع وبناء فوهات الفقاقير على شكل دائري داخل النسيج العمراني .
المصدر: ميراث توات http://www.taouat.net/main/2010-11-20-17-57-57.html
المصدر: ميراث توات http://www.taouat.net/main/2010-11-20-17-57-57.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
بلادي زينها زين الحور ويناك يازايرها