واقعها يتأرجح بين غلاء الأسـعار وتدني الخدمات السياحة, الداخلية حلم المواطن البسيط

في هذا الفصل الذي يزخر بالعروض السياحية للمركبات والفنادق تشتد الحاجة يوماً بعد يوم إلى الوقوف على واقع على السياحة الداخلية، حيث أن نسبة معتبرة من المواطنين في الجزائر لم يتح لهم التعرف على مناظر بلدهم الطبيعية ومعالمه الأثرية والتاريخية.. وفي هذا الصدد، ركزت الجهات المعنية بالسياحية مؤخراً على أهمية دور السياحة الداخلية في خلق تنمية مستدامة على مدار العام.. وكنتيجة أولية شهدت بعض ولايات الوطن في السنوات الأخيرة انتعاشاً سياحياً بفضل تطوير قدرة استيعاب السياح.. فالإيواء السياحي بدأ يتوسع والأماكن السياحية جميلة ومتنوعة، ولكن يبقى السؤال هل تناسب مستويات الدخل المختلفة؟
بداية يجدر التذكير بأن إستراتيجية قطاع السياحة تهدف منذ السنوات الأخيرة إلى ترقية السياحة الداخلية وتحسين خدماتها من خلال برنامج طموح. وكان وزير السياحة إسماعيل ميمون قد دشن مؤخرا عدة هياكل فندقية في تلمسان وهران وسيدي بلعباس بمناسبة اليوم الوطني للسياحة المصادف لـ 25جوان، حيث أشار إثر ذلك إلى أن بناء صرح السياحة الداخلية مهمة الجميع بدءا بالوكالات والدواوين وانتهاء بوسائل الإعلام والمواطن أيضا، فيما كشفت تصريحات بعض المسؤولين المشرفين على السياحة في كل من عين تيموشنت، تلمسان ووهران أن هناك عدة مشاريع في طور الإنجاز لتطوير قدرة استيعاب السياح. وعلى ضوء هذه المعطيات، حاولت ”المساء” رصد آراء المواطنين حول واقع السياحة الجزائرية لموسم .2011
يقبل عليها الأثرياء ويختزلها البسطاء
أظهر الاستطلاع أنه رغم بعض الإنجازات المشجعة للسياح القادمين من الداخل، لكنها تبقى حكرا على ذوي الدخل الميسور، ذلك أن عدة شرائح من الموطنين عبّروا عن عجزهم عن القيام بسياحتهم الداخلية لأسباب أهمها غلاء أسعار خدمات السياحية والافتقار إلى ثقافة الاستقبال.
وشدّد عدد من المواطنين الذين قابلناهم على ارتفاع أسعار السياحة الداخلية بالنسبة لدخل المواطن، مشيرين إلى أن الغلاء يضطرهم لكراء شقق ومنازل أو الإقامة عند أحد معارفهم وأحبابهم.
وحسب إجابات البعض ممن استطلعت ”المساء” آراءهم، فإن السياحة الداخلية غاية صعبة المنال، كونها باتت حكرا على فئة ”الميسورين حالاً” ضمن المجتمع مع تأكيد البعض على ”اختزال” فكرة السياحة -باستثناء نزهات البحر- من قائمة برنامجه الصيفي.
بائع مستحضرات تجميل بالجزائر الوسطى يعمل في أحد الفنادق قال ”إن السياحة الداخلية حلم سواء بالنسبة للعائلة أو الفرد الواحد خاصة أن بعض الفنادق مثلا تفرض مبلغ 2800 دج للإقامة ليلة واحدة مقابل خدمات تحت الصفر! لذا نفضل نحن الشباب عادة المساهمة في توفير مبلغ كراء شقة في المناطق السياحية لنتمكن من الاستمتاع ولو لفترة محددة بأجواء الصيف.
واعتبر أحد المواطنين وهو بائع للتحف الفنية التقليدية بشارع العربي بن مهيدي أن العروض السياحية الخارجية لتونس مثلا أفضل منها في الجزائر، مضيفا: ”قد يكلف قضاء أسبوع فقط في فندق أو مركب سياحي جزائري ما قدره 50 ألف أو60 ألف دج، فيما يمكن دفع نفس المبلغ لقضاء أسبوع في تونس مثلا، إضافة لخدمة أفضل. ورأت السيدة ”حميدة” (أم لطفلين) موظفة أن ”أسعار السياحة الداخلية في الجزائر لا تتناسب إطلاقا مع مستوى ذوي الدخل المحدود، وقالت: ”حاولت مؤخرا استئجار شقة في جيجل لقضاء بعض الأيام هناك رفقة أفراد أسرتي، فوجدت أن سعر الإقامة لا يقل عن 4000 دج لليلة الواحدة، وبعد بحث مكثف وجدت شقة عرضها صاحبها للكراء بمبلغ 2500 دج لليلة الواحدة، لكن المشكلة هي أنه رفض كراءها لمدة 10 أيام، إذ اشترط علي كراءها لمدة شهر كامل، والحل هو أننا عدلنا عن فكرة الاصطياف في جيجل”. واستكملت حديثها: ”إن المركبات السياحية والفنادق لا يمكن أن تتاح لغير الأثرياء أو السياح الأجانب سيما تلك التي يفوق مبلغ المبيت فيها 10000دج لليلة الواحدة. وبحسب المتحدثة، بعض مناطق الوطن رغم جمالها فهي غير مستغلة سياحيا، وخدمات هياكلها السياحية لم ترق إلى المستوى المطلوب سيما ما تعلق بالنظافة وشروط الاستقبال.
نفس الفكرة تعتنقها السيدة ”نجوى” خريجة كلية التاريخ، والتي أوضحت لـ ”المساء” أنه في ظل تراجع قيمة الدينار الجزائري لا يمكن للمواطن البسيط أن يحلم بالسياحة الداخلية، مبرزة أن المواطن الجزائري لم تعد تستهويه السياحة التقليدية بقدر ما صار يبحث عن الرفاهية والراحة التامة.. وهذان العاملان تفتقدهما الكثير من الهياكل السياحية في بلادنا، ناهيك عن ضعف مستوى الخدمات المقدمة مقابل الغلاء.
وفيما رأى السواد الأعظم من محدثينا ”أن أسعار السياحة الجزائرية خيالية، يبقى السؤال ما حيلة المواطن البسيط للظفر بنصيب من متعة التنزه؟”.
بدائل سياحية مبتكرة
تحدثنا مع السيدة ”سلوى” (موظفة) فذكرت أن المواطن البسيط مضطر لإيجاد بدائل في غياب هياكل سياحية تراعي إمكانياته.. وروت المواطنة أنها في فصل الربيع المنصرم قصدت رفقة أفراد عائلتها حمام المسخوطين الكائن بولاية ?المة.. وهناك تبيّن لها أن تكلفة كراء مقصورة هي 4500 دج لليلة الواحدة.. ولما استقصت عن سعر الإقامة في فندق عادي وجدت أنه لا يقل عن 2500 دج لليلة الواحدة وبدون أي خدمات إضافية كخدمات الإطعام.. ولحسن الحظ وجدت الحل أخيرا بكراء شقة بالقرب من الحمام تتكون من غرفة بها أفرشة ومطبخ واسع، مما مكنها وأسرتها من الإقامة لمدة ثلاثة أيام مقابل 1500دج لكل ليلة.. أما الاستجمام في الحمام فكلف ما بين 150 دج و300دج للفرد الواحد تبعا لنوعية الخدمات المقدمة..
”إذا كان هذا حال الأسر ثنائية الدخل، فما بال الأسرة أحادية الدخل؟س
ورأى مواطن آخر من العاصمة (مهندس في الإعلام الآلي) أن ”دخل المواطن العادي لا يخوله مجرد التفكير في السياحة، فهي حلم بعيد المنال بالنسبة لشخص يقبض مرتبا شهريا لا شريك له. زلم أسافر إلى أية ولاية من ولايات الوطن، ففي موسم الاصطياف لا يتاح لي سوى زيارة الحدائق العمومية أو اللجوء إلى بعض شواطئ البحر بالعاصمة، والتي تكلف نزهة يوم واحد فيها ما بين 2000دج و3000دج لتغطية مصاريف التنقل والأكل والمشروبات المنعشة”، وإذا كانت نزهة واحدة مع أفراد الأسرة تكلف هذا المبلغ فما بالكم بالسياحة خارج الولاية؟” يتساءل محدثنا أيضا.
وفي نفس السياق، أدلت موطنة أخرى بشهادتها ”ذهبت وعائلتي الأسبوع الماضي إلى شاطئ ”مزافران” فاستأجرنا طاولة وكراسي مع مظلة بقيمة 1000دج.. وهذا السعر المرتفع لا يسمح للموظف البسيط طبعا أن يرتاد الشواطئ يوميا. أما ”أم إلينا” التي كشفت أن ميزانيتها لا تسمح لها بارتياد المركبات السياحية والفنادق، فتجد الحل في ربط برامج رحلاتها الاستجمامية بالأماكن التي يقطن فيها أقاربها على غرار تيكجدة، حمام ملوان، والشفة، لتختزل بذلك مصاريف الإقامة.. واستطردت: ”إن نزهة يوم واحد مع أفراد العائلة تكلف حوالي 5000 دج لتأمين متطلبات الأكل، حظيرة السيارات، الاستجمام، المثلجات ويضاف لها ضرائب بعض المعروضات المغرية في الأماكن السياحية سيما وأننا نكون تحت مخدر اسمه ”خطرة في الغرة” يدفعنا للاستسلام لشهواتنا.
وبحسب وجهة نظر ”كريمة.خ ”(صحفية بجريدة الشروق) ”صحيح أن الإيواء السياحي ليس في متناول المواطن البسيط.. ومع هذا ليست السياحة الداخلية أمرا مستحيلا، إنما مشكلتنا تكمن في افتقارنا لثقافة السياحة التي تختزل التخطيط للعطلة من قاموسنا. وأضافت أن الاقتصاد هو الحل للاستمتاع بفترة من النقاهة وتفريغ شحنات الضغط الناجمة عن 11 شهرا من العمل، مشيرة إلى أنها تعرف عدة عائلات تساهم في توفير مبلغ كراء شقة في إحدى الولايات الساحلية لمدة محددة، ما يشكل فرصة للقاء الأقارب وتقاسم لحظات من المرح والمغامرات الصيفية، إضافة إلى تقاسم نفقات الإيواء والأكل. ووصفتها بأنها فكرة صائبة، معتبرة أن الظروف الصعبة تدفع العائلات الجزائرية لابتكار عدة طرق للظفر بنصيب من الراحة والاستجمام في بعض مناطق الوطن ولو لفترة قصيرة.
السياحة العاصمية في.. الإنعاش!
وأجاب أستاذ بجمعية نجمة للسياحة والمبادلات الثقافية ومحامي، بأنه لا توجد سياحة داخلية بأتمّ معنى الكلمة في الجزائر.. وعن السبب قال: ”ليست قضية إمكانيات، وإنما قضية انعدام المرافق والهياكل السياحية المؤهلة خاصة على مستوى العاصمة التي تدفعنا للتساؤل كل صيف: أين نذهب؟.. وكيف يمكن أن تستقطب السياح وتراها تنام على الساعة السادسة مساء؟ ثم تابع: ”هناك حدائق جميلة بالعاصمة لكن السؤال المطروح كم من حديقة تم غلقها.. وكم من حديقة تحوّلت إلى وكر للممارسات المخلة بالحياء أو مرتعا مفضلا لعصابات الإجرام؟ والنتيجة هي أن أماكن التنزه تتقلص سنة بعد سنة، والضحية هو المواطن”. ولدى تسليطه الضوء على الواقع السياحي بالعاصمة، ذكر المصدر أن التنقل من مكان إلى آخر في العاصمة يفرض استعمال الحافلة التي تؤول في غالب الأحيان إلى ”محشرة” نظرا للكثافة السكانية، في الوقت الذي اختفت فيه عدة مبادرات سياحية بها على غرار كراء الدراجات التي كانت في سنوات خلت. وواصل تشريحه لواقع السياحة بالعاصمة قائلا: ”مقام الشهيد غير مستغل رغم أنه معلم تاريخي.. الإضاءة في العاصمة جد ضعيفة ليلا تشبه باريس في سنوات العشرينيات من القرن الماضي على حد قول سائح أجنبي، إنها باختصار مهملة رغم أنها القلب النابض للبلاد، وهذا ما يدفع مرة أخرى للتساؤل لماذا توجد في هذه الحالة المزرية رغم أنه يفترض أن تكون مرجعا سياحيا؟”.
وختم المتحدث رأيه بهذه الكلمات ”الإستراتيجية لتحقيق ترقية فعلية غير موجودة، لاسيما في الجنوب الجزائري، والمرافق المنتشرة على الطرقات تقدم خدمات جد متدنية، فمأكولات المطاعم قد تتطلب سيارة الإسعاف، أما عن شروط النظافة في دورات المياه فحدث ولا حرج، فهل يمكن حقا تشجيع السياحة بهذا المستوى من الخدمات؟.
السياحة بحاجة إلى تدعيم الحكومة
حملنا هذه الانشغالات التي طرحها محدثونا إلى المكلفة بالتسويق في الديوان الوطني للسياحة ذهبية حماني، فأقرّت من جانبها بأننا مازلنا بعيدين عن مسعى ترسيخ ثقافة السياحة الداخلية في أوساط المواطنين نظرا لجملة من الأسباب أهمها غلاء تكاليف سياحة الداخل -خاصة الإقامة- وعدم رقي الخدمات السياحية إلى المستوى المطلوب، لافتة إلى أن إنعاش السياحة الداخلية يتطلب استراتيجية حكومية للنظر في مسألة تفوق الطلب على العرض في المجال السياحي، والذي يعدّ السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار الإقامة في المركبات السياحية والفنادق، واقتصار روادها على الأثرياء والمغتربين.
في بلادنا مناطق سياحية مؤهلة لقضاء إجازات عائلية ممتعة، لكن ما ينقص هو برنامج تساعد من خلاله الدولة المستثمرين على بناء فنادق، ويستقطب المستثمرين أجانب للشراكة في هذا الإطار، وبالتالي خلق المنافسة التي من شأنها أن تخفض أسعار الخدمات السياحية يشير المصدر.
واقترحت السيدة ذهبية حماني على وزارة السياحة إجراء دورات تكوينية لعمال قطاع السياحة لتصل الخدمات المقدمة للسياح إلى المستوى المطلوب لزيادة معدلات تدفق السياح.
ويبقى تنشيط السياحة الداخلية وبأجور رمزية حلم كل مواطن بسيط للاستمتاع بفترات من الاستجمام والراحة بعيدا عن النجوم السياحية التي تستقطب حاليا شريحة معينة من الناس الميسورين ماديا، فهي حقيقة لا بد من الإقرار بها على أمل تجسيد هدف ترقية السياحية الداخلية بأتم معنى الكلمة على أرض الواقع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بلادي زينها زين الحور ويناك يازايرها